تذهب الرواية السعوية في شتاء عام ١٤٤٠هجرياً .. أحد الموظفين لإحدى الادارات الحكومية - القطاع العام - موظف ما تميز في عمله .. هذا كبده مشاق وصعوبات عديدة .. فالرواية نسوقها بالافصاح .. فالموظف المولود في خريف عام ١٣٧٦هجرياً من عائلة محترمة غير خاملة الذكر .. متوسطة الدخل .. ويعد ترتيبه في أسرته الرابع بين أخوته .. تسبقه أخت تحبه وتوده .. وأيضا يودها كثيراً .. ويستأنس برأيها ووجهة نظرها حينما كبر واشتد عوده .. وفي صغره قبل دخوله المدرسة إذاً عادة من مدرستها .. تجلب معها حلاوة غندوره الشائعة في ذلك الوقت من مقصف المدارس أثناء الفسحة .. وكثيراً ماكان ينتظرها على مدخل باب المنزل لقرب انصرافها من المدرسة .. وعودتها .. ويتلقى هذه الحلاوة بحبور وابتهاج .. وهذالطفل لا حدس درس في مدرسة الإمام الشافعي الابتدائية بالخنساء مكةالمكرمة ، والمتوسطة بموسى بن نصير بشارع الحج ، والثاوية بالحديبية بمجر الكبش ، وكلاهما الثانوية والمتوسطة بشارع الحج مكةالمكرمة .. والجامعة بأم القرى .. بالجامعة صقلت مواهبه .. وفيها اكتسب المعارف النظرية ، والمهارات الذهنية .. أضف إلى ذلك اصقله مشاركاته في مجلة الجامعة ،والأنشطة الطلابية المتعددة والمتنوعة ،التي كان يمارسها .. ويحرص عليها اكسبته خبرات .. وأبرزت قدراته .. وجلت مواهبه .. ومحصت إدراكه.. وغرست بذور المعارف .. وحببت له فريق العمل الجماعي ..كانت رداً له في حقول العمل فيما بعد ، وبعد تخرجه من الجامعة .. تقدم من ضمن المتقدمين لإدارة حكومية فعالة في الحياة الاجتماعية وحدد لقاء ومقابلة ونظراءه المتقدمين ..وكان الرجل الثالث المسؤل بالإدارة .. قد طرح سؤالاً على المجموعة فحواه إذا خيرت بين فرصة عمل قريبة من مقر سكنك أو بعيد جداً .. أيهما تختار ؟ كانت إجابة المجموعة عما سواه لاشك الأقرب من مقر السكن .. معللين بالاستقرار الوظيفي ، ما عدا هو .. انفرد عنهم بالإجابة ، معللاً الهدف من الوظيفة الطموح ، واكتساب الخبرة ، وتطوير الذات بالمهارات العملية .. أينما كانت بعدت أو قربت ، ومدى توفر أدوات المعرفة ووسائل اكتسابها وإتقان مهارات وواجبات الوظيفة ، فإن كانت في الأبعد يؤثرها .. فإنه يبحث عن الأحسن والأكمل ، مالم تتساوى بين البعد والقرب يختار الأيسر اقتداء برسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما.. فالعبرة ما يتوفر من وسائل وأدوات مساعدة وتقنية تساعد على اكتساب الخبرة والمعرفة معاً بإلاضافة لمعززاتها مايتاح من المحاضرات والموتمرات والندوات والحلقات في حقل العمل وميادينه وورش العمل بمستوياته الثلاثة الدنيا على مستوى الإدارة والوسطى على مستوى المنطقة والعليا على مستوى الوزارة .. باعتباره تغذية رجعية.. هو الأفضل وهو ما يتطلع إليه؟ وان كان في منأى عن مقر السكن ؟ كانت هذه إجابته للمسؤل الثالث أثناء المقابلة وبعد عشرة أيام جاءه القبول دون نظراءه وتم تعيينه في شتاء عام ١٤٠١ هجرياً .. وبعد صدور قراره بالتعين ومباشرة العمل في شتاء ذلك العام ، طلبه المسؤل الثالث الذي أجرى معه المقابلة .. وأزجى إليه بعض الإيضاحات عن طبيعة العمل ومهمات الوظيفة التي يشغلها وسوف يمكن منها .. ورغب منه أن يعمل بأرشيف الادارة العام ويطلع على الملفات المنتهية بالحفظ لاسيما الأوراق المكفنة - الطرود - ويتصفح فحوى الأوراق والإجراءات وأن يقرأ مايقع في يده من أوراق ومعاملات منتهية من الأسفل إلى الأعلى مع تدقيق الفهرس ومطابقته لمحتوى الأوراق..ويدقق النظر بالشروح المذيلة على الخطابات والاستدعاءات والقصاصات المرفقة .. من أجل تتكون لديه حصيلة من الدراية عن طبيعة العمل .. إذا اراد اكتساب الخبرة فرحب بالنصيحة الصادقة واستمسك بها وبعد سته أشهر أخذ تدويره على أقسام الادارة ، متنقلاً من قسم إلى قسم أخر .. وشارك في إعداد المحاضر والتقارير وكان من خلالها تفوق واكتسب الخبرة وأدرك معرفة التعليمات واتقن فهم التعاميم بأبعادها الثلاثية الحدية والكلية والحقيقية نصاً وقصاً ، وابعادها الزمنية والمكانية ، ماكانت حينية ، وقاعدة ثابته يسار عليها ، ومازال يتفوق في معارج الإجراءات العملية .. ويتميز حيناً بعد حين .. وبعد عام عقد قرانه وزواجه ، وأموره مستقره في أول الأمر ، ولا حدس التميز والتفوق ، لهما ضريبتهما .. كان رؤوساءه حملة مؤهل المتوسطة الأغلب ، والثانوية الندرة .. يتضايقون من تفوقه ، وتميزه ونباهته ، وانضباطه في الحضور والانصراف ، وتواجده أثناء العمل دون غياب أو تأخير.. ويغلب عليه الصراحة ، والمصداقية والثبات ، والموضوعية في إجراءاته.. يكره المراوغة والمماطلة ، والكذب للمراجعين ، وزملاءه والمسؤلين على مستوى الأفقي أو العمودي - الرأسي - التي في الغالب لا ترضي رؤوساءه .. ويمتعض منها زملاءه .. وأخذ يتضايق رؤوساءه منها بامتعاض .. متضورن وكارهون .. وتتسع فجوة الخلاف .. ويتنامى شيئاً فشيئاً .. ومما زاد الطين بلة .. تقاعد الرجل الثالث .. زادت المضايقات .. واستغلها المبغضون في تأخير ترقياته .. متعللين مسبوق بالمحضر لا يوجد وظيفة متماثلة متجانسة لوظيفته اسماً وجنساً وتصنيفاً ، ومؤهله يحمل الماجستير واذا رفع تظلمه عرضت إدارة الموارد البشرية على صاحب الصلاحية يستفسر من الخدمة المدنية باعتباره يشغل وظيفة استثنائية وجمد أحد عشرة سنةً من الترقية ثم تبعها رحيل والده ثم دب الخلاف بينه وبين أخوته ثم دب الخلاف بينه وبين زوجته ومما زاد ذلك الخلاف الحاد مع رئيسه المتقلب المزاج وسريع الانفعال . وبناءً على العروض المقدمة من رئيسه وتعضيدها من كارهي النجاح والتفوق .. وكانت زوجته صعبة المزاج، حنّانة نكدية صعّبة المراس .. نكدت عليه عيشته، ومدير سريع الانفعال ، وإخوةٌ ينازعونه في أرض ، وقد وصلت الأمور بينه وبين إخوته إلى ما .. يقارب القطيعة ، وبينه وبين رئيسه جفوة ، سارعت بالتداعي ان يصدر قرار بنقله ، لأحد فروع الإدارة يبعد خمسمائة كيلاً ويزيد عن منزله ، جاءه الخبر كالصاعقة .. ومما زعجه في القرار ان اعطي الجهة الأمنية بادارته نسخة منه .. وفحوى القرار بناءً على المصلحة العامة .. فكتب استقالته على الفور، ونصحه بعض زملاءه المخلصين العارفون بحقيقته بالتريث ، ثم مكث أياماً يتأمل في حاله ، وقال لنفسه: حسناً، ما يمنعني من الذهاب إلى الموقع الجديد؟ لا مدير مسؤلاً في قيادته وإدارته مثل المسؤلين وغير منصف ، ولا زوجة حسن التبعل ، ولا إخوة كالأخوه، هل سيكون الوضع هناك أسوأ مما أنا فيه ؟ وربما في الأمر خير .
مزق الاستقالة ، وأخذ بنصيحة العقلاء من زملاءه ، ومحبيه ومعارفه وأصدقاءه .. وقَبل قرار النقل الذي منحه بضعة أيام ، قبل أن يباشر في مقر عمله الجديد.
ذهب من فوره إلى كاتب العدل، وتنازل عن الأرض لأشقائه، وتنازل عن بيته ، وجعله باسم زوجته، ثم مضى إلى المحكمة ، وطلّق زوجته، وأخذ ثيابه ، وانطلق إلى موقع عمله الجديد .
وصل إلى مقر عمله الجديد، وباشر في تلك الإدارة، وتلقاه الزملاء بالترحاب .. لا يقل وافاءً عن زملاء الاوفياء السابقين ..
اندمج بسهولة في محيطه الجديد، وواصل ابداعاته وقوة شكيمته بالعمل وأخذ يتعرف على التكوين الاجتماعي والمكاني ، ومعرفة الديار والأشخاص ، وتكوين علاقات مميزه واستشف أنهم أهل سعة في الوقت والصدر وأهل كرم. وأحبه من عرفه وحبهم وأحبوه. وتغيرت الادارة المركزية ليستلمها مسؤولون أكفاء منصفون خلفاً لمن سبق . وبتصفح ملفه الوظيفي لم يلاحظ مايمنع من ترقيته ..
ووجد نفسه ، وجيهاً من وجهاء تلك الناحية ؛ يجالس المسؤلين بالمنطقة ووجهاءها ورؤساء الدوائر الحكومية ، في منازلهم ودواوينهم ومزارعهم، ويحضر مناسباتهم ، يشاطرهم الأفراح والأتراح .. وجاءته ترقيةٌ وزاد معها دخله، وصار يشارك القوم ويدعوهم، ويعزمهم ويقدم الولائم لهم، ونالَ أرضاً حسنة على هيئة منحة من البلدية التي يجالس أمينها، ونالَ من أحد رفاقه قرضاً .. فابتنى لنفسه منزلاً فخماً جميلاً .. جعل في فنائه خيمةً .. يستضيف فيها الناس وعلية القوم. وتزوج وانجب أولاد واستقر نفسياًووظيفياً بالعمل . وردفاً ماسبق جاءته منحة زرعية ، واستقرض قرضاً زراعياً من أجل استصلاحها .. وجعل طرفاً منها مشروعاً لتسمين الاغنام ، ثم انشاء لاحقاً مصنعاً للاعلاف ، ثم لحقه مصنعاً لتمور ثم مصنعاً ثالثاً لتخزين الحبوب .. واحضر آلتين احداهما حصادة ، والاخرى مصفية الحبوب من الشوائب ، ومنظفة .. واستفاد من خلالها ما ينبغي .. واخذ أصحاب الحيازات الزرعية ، احضار سنابل محاصيلهم الزرعية لآلة حصاداته ، وكذلك القصب من أجل هصرها ، ووضعها قوالب أعلاف للمواشي ، وتمورهم لتنظيفها ، وتكيسها ثم تغليفها في اكياس مختلفة المقاسات .. واستفاد من ريع المزرعة .. واقتصاديات المشروع .. يدر عليه دخلاً فائق النظير .. وشبهها بواحة النخيل التي تخرف من موسم لموسم ..اما عن إدارته المركزية السابقة تغيرت قياداتها بالأفضل والانصف خلفاً لمن سبق .. وبتصفح ملفه الوظيفي لم يلاحظوا ما يمنع من ترقيته للوظائف العليا والقيادية ..فالتقارير المرفوعه عنه من رؤساءه ، والاداء الوظيفي .. تشير بامتيازه .. فاسند اليه قيادة قطاع إدارة مهمة ، وأوسع نطاق ، ومنح مراتب عليا .. أمّا عن زوجته النكدية، فقد كسرها الطلاق كسراً، وأكبرت فيه ما صنعه حين تخلى عن الدار لها ، وسجلها باسمها؛ فألحت عليه تريد أن تعود إلى عصمته، فأبى إلا بعد شروطٍ شبه تعجيزية، وضعها لكي ترفضها طليقته، فوافقت عليها كلها، فأعادها إلى عصمته، أما إخوته فقد راجعوا أنفسهم، وتشاوروا فيمابينهم قبل أن يتفقوا على ضرورة الصلح مع أخيهم الذي نقم عليهم وزهد فيهم، فأخذوا يسترضونه، واقروا بخطاءهم ، وإرجاع نصيبه من الأرض ، ودعوه وأولموا له ويلمة وأصلحوا ما بينهم وبينه. واخذ يترقى في السلك الوظيفي .. وعادة أموره إلى الأفضل معززا مكرّما حلالاً ووجيهاً ..
ياسادة تفاءلوا بالخير، واعلموا أن الله رحيم بعباده، وأنه إذا سدّ عنك باباً فإنه يفتح أبواباً، وأن الظروف والأحداث الصعبة قد تؤدي بك إلى طريق آخر لم يكن يخطر على بالك وذهنك، فتكتشف أن هذا الطريق هو الذي يحملك إلى النجاح والتوفيق .. ان الشدائد في اغلب أحوالها خير . . إن مع العسر يسر .. وربما في الشر خير .. أن تكرهوا شيئاً فهو خير .. ومن يتقي الله يجعل له مخرجاً ، ويرزقه من حيث لا يحتسب .. ومن يتوكل على الله فهو حسبه .
(….. وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَاتعلمون ) .
فالرزق والقدر تساق بقدر اللطيف الخبير .
بقلم الباحث والكاتب/ خالد حسن الرويس
القدر والرزق
تذهب الرواية السعوية في شتاء عام ١٤٤٠هجرياً .. أحد الموظفين لإحدى الادارات الحكومية - القطاع العام - موظف ما تميز في عمله .. هذا كبده مشاق وصعوبات عديدة .. فالرواية نسوقها بالافصاح .. فالموظف المولود في خريف عام ١٣٧٦هجرياً من عائلة محترمة غير خاملة الذكر .. متوسطة الدخل .. ويعد ترتيبه في أسرته الرابع بين أخوته .. تسبقه أخت تحبه وتوده .. وأيضا يودها كثيراً .. ويستأنس برأيها ووجهة نظرها حينما كبر واشتد عوده .. وفي صغره قبل دخوله المدرسة إذاً عادة من مدرستها .. تجلب معها حلاوة غندوره الشائعة في ذلك الوقت من مقصف المدارس أثناء الفسحة .. وكثيراً ماكان ينتظرها على مدخل باب المنزل لقرب انصرافها من المدرسة .. وعودتها .. ويتلقى هذه الحلاوة بحبور وابتهاج .. وهذالطفل لا حدس درس في مدرسة الإمام الشافعي الابتدائية بالخنساء مكةالمكرمة ، والمتوسطة بموسى بن نصير بشارع الحج ، والثاوية بالحديبية بمجر الكبش ، وكلاهما الثانوية والمتوسطة بشارع الحج مكةالمكرمة .. والجامعة بأم القرى .. بالجامعة صقلت مواهبه .. وفيها اكتسب المعارف النظرية ، والمهارات الذهنية .. أضف إلى ذلك اصقله مشاركاته في مجلة الجامعة ،والأنشطة الطلابية المتعددة والمتنوعة ،التي كان يمارسها .. ويحرص عليها اكسبته خبرات .. وأبرزت قدراته .. وجلت مواهبه .. ومحصت إدراكه.. وغرست بذور المعارف .. وحببت له فريق العمل الجماعي ..كانت رداً له في حقول العمل فيما بعد ، وبعد تخرجه من الجامعة .. تقدم من ضمن المتقدمين لإدارة حكومية فعالة في الحياة الاجتماعية وحدد لقاء ومقابلة ونظراءه المتقدمين ..وكان الرجل الثالث المسؤل بالإدارة .. قد طرح سؤالاً على المجموعة فحواه إذا خيرت بين فرصة عمل قريبة من مقر سكنك أو بعيد جداً .. أيهما تختار ؟ كانت إجابة المجموعة عما سواه لاشك الأقرب من مقر السكن .. معللين بالاستقرار الوظيفي ، ما عدا هو .. انفرد عنهم بالإجابة ، معللاً الهدف من الوظيفة الطموح ، واكتساب الخبرة ، وتطوير الذات بالمهارات العملية .. أينما كانت بعدت أو قربت ، ومدى توفر أدوات المعرفة ووسائل اكتسابها وإتقان مهارات وواجبات الوظيفة ، فإن كانت في الأبعد يؤثرها .. فإنه يبحث عن الأحسن والأكمل ، مالم تتساوى بين البعد والقرب يختار الأيسر اقتداء برسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما.. فالعبرة ما يتوفر من وسائل وأدوات مساعدة وتقنية تساعد على اكتساب الخبرة والمعرفة معاً بإلاضافة لمعززاتها مايتاح من المحاضرات والموتمرات والندوات والحلقات في حقل العمل وميادينه وورش العمل بمستوياته الثلاثة الدنيا على مستوى الإدارة والوسطى على مستوى المنطقة والعليا على مستوى الوزارة .. باعتباره تغذية رجعية.. هو الأفضل وهو ما يتطلع إليه؟ وان كان في منأى عن مقر السكن ؟ كانت هذه إجابته للمسؤل الثالث أثناء المقابلة وبعد عشرة أيام جاءه القبول دون نظراءه وتم تعيينه في شتاء عام ١٤٠١ هجرياً .. وبعد صدور قراره بالتعين ومباشرة العمل في شتاء ذلك العام ، طلبه المسؤل الثالث الذي أجرى معه المقابلة .. وأزجى إليه بعض الإيضاحات عن طبيعة العمل ومهمات الوظيفة التي يشغلها وسوف يمكن منها .. ورغب منه أن يعمل بأرشيف الادارة العام ويطلع على الملفات المنتهية بالحفظ لاسيما الأوراق المكفنة - الطرود - ويتصفح فحوى الأوراق والإجراءات وأن يقرأ مايقع في يده من أوراق ومعاملات منتهية من الأسفل إلى الأعلى مع تدقيق الفهرس ومطابقته لمحتوى الأوراق..ويدقق النظر بالشروح المذيلة على الخطابات والاستدعاءات والقصاصات المرفقة .. من أجل تتكون لديه حصيلة من الدراية عن طبيعة العمل .. إذا اراد اكتساب الخبرة فرحب بالنصيحة الصادقة واستمسك بها وبعد سته أشهر أخذ تدويره على أقسام الادارة ، متنقلاً من قسم إلى قسم أخر .. وشارك في إعداد المحاضر والتقارير وكان من خلالها تفوق واكتسب الخبرة وأدرك معرفة التعليمات واتقن فهم التعاميم بأبعادها الثلاثية الحدية والكلية والحقيقية نصاً وقصاً ، وابعادها الزمنية والمكانية ، ماكانت حينية ، وقاعدة ثابته يسار عليها ، ومازال يتفوق في معارج الإجراءات العملية .. ويتميز حيناً بعد حين .. وبعد عام عقد قرانه وزواجه ، وأموره مستقره في أول الأمر ، ولا حدس التميز والتفوق ، لهما ضريبتهما .. كان رؤوساءه حملة مؤهل المتوسطة الأغلب ، والثانوية الندرة .. يتضايقون من تفوقه ، وتميزه ونباهته ، وانضباطه في الحضور والانصراف ، وتواجده أثناء العمل دون غياب أو تأخير.. ويغلب عليه الصراحة ، والمصداقية والثبات ، والموضوعية في إجراءاته.. يكره المراوغة والمماطلة ، والكذب للمراجعين ، وزملاءه والمسؤلين على مستوى الأفقي أو العمودي - الرأسي - التي في الغالب لا ترضي رؤوساءه .. ويمتعض منها زملاءه .. وأخذ يتضايق رؤوساءه منها بامتعاض .. متضورن وكارهون .. وتتسع فجوة الخلاف .. ويتنامى شيئاً فشيئاً .. ومما زاد الطين بلة .. تقاعد الرجل الثالث .. زادت المضايقات .. واستغلها المبغضون في تأخير ترقياته .. متعللين مسبوق بالمحضر لا يوجد وظيفة متماثلة متجانسة لوظيفته اسماً وجنساً وتصنيفاً ، ومؤهله يحمل الماجستير واذا رفع تظلمه عرضت إدارة الموارد البشرية على صاحب الصلاحية يستفسر من الخدمة المدنية باعتباره يشغل وظيفة استثنائية وجمد أحد عشرة سنةً من الترقية ثم تبعها رحيل والده ثم دب الخلاف بينه وبين أخوته ثم دب الخلاف بينه وبين زوجته ومما زاد ذلك الخلاف الحاد مع رئيسه المتقلب المزاج وسريع الانفعال . وبناءً على العروض المقدمة من رئيسه وتعضيدها من كارهي النجاح والتفوق .. وكانت زوجته صعبة المزاج، حنّانة نكدية صعّبة المراس .. نكدت عليه عيشته، ومدير سريع الانفعال ، وإخوةٌ ينازعونه في أرض ، وقد وصلت الأمور بينه وبين إخوته إلى ما .. يقارب القطيعة ، وبينه وبين رئيسه جفوة ، سارعت بالتداعي ان يصدر قرار بنقله ، لأحد فروع الإدارة يبعد خمسمائة كيلاً ويزيد عن منزله ، جاءه الخبر كالصاعقة .. ومما زعجه في القرار ان اعطي الجهة الأمنية بادارته نسخة منه .. وفحوى القرار بناءً على المصلحة العامة .. فكتب استقالته على الفور، ونصحه بعض زملاءه المخلصين العارفون بحقيقته بالتريث ، ثم مكث أياماً يتأمل في حاله ، وقال لنفسه: حسناً، ما يمنعني من الذهاب إلى الموقع الجديد؟ لا مدير مسؤلاً في قيادته وإدارته مثل المسؤلين وغير منصف ، ولا زوجة حسن التبعل ، ولا إخوة كالأخوه، هل سيكون الوضع هناك أسوأ مما أنا فيه ؟ وربما في الأمر خير .
مزق الاستقالة ، وأخذ بنصيحة العقلاء من زملاءه ، ومحبيه ومعارفه وأصدقاءه .. وقَبل قرار النقل الذي منحه بضعة أيام ، قبل أن يباشر في مقر عمله الجديد.
ذهب من فوره إلى كاتب العدل، وتنازل عن الأرض لأشقائه، وتنازل عن بيته ، وجعله باسم زوجته، ثم مضى إلى المحكمة ، وطلّق زوجته، وأخذ ثيابه ، وانطلق إلى موقع عمله الجديد .
وصل إلى مقر عمله الجديد، وباشر في تلك الإدارة، وتلقاه الزملاء بالترحاب .. لا يقل وافاءً عن زملاء الاوفياء السابقين ..
اندمج بسهولة في محيطه الجديد، وواصل ابداعاته وقوة شكيمته بالعمل وأخذ يتعرف على التكوين الاجتماعي والمكاني ، ومعرفة الديار والأشخاص ، وتكوين علاقات مميزه واستشف أنهم أهل سعة في الوقت والصدر وأهل كرم. وأحبه من عرفه وحبهم وأحبوه. وتغيرت الادارة المركزية ليستلمها مسؤولون أكفاء منصفون خلفاً لمن سبق . وبتصفح ملفه الوظيفي لم يلاحظ مايمنع من ترقيته ..
ووجد نفسه ، وجيهاً من وجهاء تلك الناحية ؛ يجالس المسؤلين بالمنطقة ووجهاءها ورؤساء الدوائر الحكومية ، في منازلهم ودواوينهم ومزارعهم، ويحضر مناسباتهم ، يشاطرهم الأفراح والأتراح .. وجاءته ترقيةٌ وزاد معها دخله، وصار يشارك القوم ويدعوهم، ويعزمهم ويقدم الولائم لهم، ونالَ أرضاً حسنة على هيئة منحة من البلدية التي يجالس أمينها، ونالَ من أحد رفاقه قرضاً .. فابتنى لنفسه منزلاً فخماً جميلاً .. جعل في فنائه خيمةً .. يستضيف فيها الناس وعلية القوم. وتزوج وانجب أولاد واستقر نفسياًووظيفياً بالعمل . وردفاً ماسبق جاءته منحة زرعية ، واستقرض قرضاً زراعياً من أجل استصلاحها .. وجعل طرفاً منها مشروعاً لتسمين الاغنام ، ثم انشاء لاحقاً مصنعاً للاعلاف ، ثم لحقه مصنعاً لتمور ثم مصنعاً ثالثاً لتخزين الحبوب .. واحضر آلتين احداهما حصادة ، والاخرى مصفية الحبوب من الشوائب ، ومنظفة .. واستفاد من خلالها ما ينبغي .. واخذ أصحاب الحيازات الزرعية ، احضار سنابل محاصيلهم الزرعية لآلة حصاداته ، وكذلك القصب من أجل هصرها ، ووضعها قوالب أعلاف للمواشي ، وتمورهم لتنظيفها ، وتكيسها ثم تغليفها في اكياس مختلفة المقاسات .. واستفاد من ريع المزرعة .. واقتصاديات المشروع .. يدر عليه دخلاً فائق النظير .. وشبهها بواحة النخيل التي تخرف من موسم لموسم ..اما عن إدارته المركزية السابقة تغيرت قياداتها بالأفضل والانصف خلفاً لمن سبق .. وبتصفح ملفه الوظيفي لم يلاحظوا ما يمنع من ترقيته للوظائف العليا والقيادية ..فالتقارير المرفوعه عنه من رؤساءه ، والاداء الوظيفي .. تشير بامتيازه .. فاسند اليه قيادة قطاع إدارة مهمة ، وأوسع نطاق ، ومنح مراتب عليا .. أمّا عن زوجته النكدية، فقد كسرها الطلاق كسراً، وأكبرت فيه ما صنعه حين تخلى عن الدار لها ، وسجلها باسمها؛ فألحت عليه تريد أن تعود إلى عصمته، فأبى إلا بعد شروطٍ شبه تعجيزية، وضعها لكي ترفضها طليقته، فوافقت عليها كلها، فأعادها إلى عصمته، أما إخوته فقد راجعوا أنفسهم، وتشاوروا فيمابينهم قبل أن يتفقوا على ضرورة الصلح مع أخيهم الذي نقم عليهم وزهد فيهم، فأخذوا يسترضونه، واقروا بخطاءهم ، وإرجاع نصيبه من الأرض ، ودعوه وأولموا له ويلمة وأصلحوا ما بينهم وبينه. واخذ يترقى في السلك الوظيفي .. وعادة أموره إلى الأفضل معززا مكرّما حلالاً ووجيهاً ..
ياسادة تفاءلوا بالخير، واعلموا أن الله رحيم بعباده، وأنه إذا سدّ عنك باباً فإنه يفتح أبواباً، وأن الظروف والأحداث الصعبة قد تؤدي بك إلى طريق آخر لم يكن يخطر على بالك وذهنك، فتكتشف أن هذا الطريق هو الذي يحملك إلى النجاح والتوفيق .. ان الشدائد في اغلب أحوالها خير . . إن مع العسر يسر .. وربما في الشر خير .. أن تكرهوا شيئاً فهو خير .. ومن يتقي الله يجعل له مخرجاً ، ويرزقه من حيث لا يحتسب .. ومن يتوكل على الله فهو حسبه .
(….. وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَاتعلمون ) .
فالرزق والقدر تساق بقدر اللطيف الخبير .
بقلم الباحث والكاتب/ خالد حسن الرويس
Permanent link to this article: https://alwajiha.org/articles/64880