إعداد
جمعان عبد الله مسفر الشهراني
المشرف التربوي بمكتب تعليم وسط بيشة
هذا العنوان كان محور من محاور مقال تعليمي وتربوي واجتماعي كتبه صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز أمير منطقة عسير بعنوان "وجه طليق ولسان لين" وهو ما دفعني للبحث عن جذور هذا الدرس التربوي عند أجدادنا في هذه البلاد المباركة. ومن هذا المقال نجد أنه يحثنا نحو البحث في تراث الأجداد وتاريخنا العظيم.
بداية؛ تعرف الوفادة بأنها كلمة دالة على الجماعة من القوم – يسمون الوفد- يخرجون إلى ملك أو أمير أو عظيم ؛ لأداء أمر ذي شأن , يتعلق بهم أو بقومهم , كعرض قضية أو الدفاع عن اتهام , أو لأمر من الأمور الاجتماعية , كتهنئة على منزله , أو حدث سار , أو لطلب عون واسترفاد , أو لطلب زواج أو ما يشبه ذلك .
وتاريخ الأجداد في هذه البلاد المباركة ملئ بمآثر أدب الوفادة لديهم , كما هو ملئ بالشواهد الدالة على ما ينبغي أن يكون عليه أفراد الوفد من صفات وخصائص , كالحيوية والنشاط في أداء مهمتهم . وفي هذا الجانب كان العرب يتسمون بالفراسة , وفيهم الارتفاع والاشراف حتى تلائم منزلتهم من يسعون إليه فهم ليسوا من عامة الناس , بل من أشراف قبيلتهم ونبهائهم , والمستحقين للتقدم على من سواهم , ففيهم صفات السبق والاشراف والارتفاع . وكان الوفد عند العرب مرآة للقوم ؛ فإذا كان الوفد من النابهين يحسنون الجواب والحوار .. رفع ذلك من قدر ذويهم , وكان عامل اقتناع لمن يفدون عليه .
ومن حسن الحظ أننا نملك نصًا رواه الجاحظ يتفق مع ماهية الوفادة وموضوعها وأهميتها ويؤكد كلام "سمو الأمير" في هذا الجانب: فقد جاء في البيان والتبيين أن ضمرة بن ضمرة دخل على النعمان بن المنذر فعاتبه للذي رأى منه من دمامته وقصره وقلته, فقال النعمان : تسمع بالمعُيديّ لا أن تراه . فقال ضمرة : أبيّت اللعن؛ إن الرجال لا تكال بالقفزان ولا توزن بالميزان , وليست بمسوك "جلد" يستقي بها, وإنما المرء بقلبه ولسانه , إن صال , صال بجنان , وإن قال, قال ببيان. وهنا ضمرة يعطينا درسًا في أدب الوفادة وما يجب أن تكون عليه .
وذكر الأصفهاني صورة رائعة من صور حسن الوفادة والملقى الحسن لدى العرب حيث روى أنه أقبل ركب من بني أسد ومن قيس يريدون النعمان, فلقوا حاتمًا – الطائي- فقالوا له: إنا تركنا قومن يثنون عليك خيرًا وقد أرسلوا إليك رسول برسالة . قال وما هي؟ فأنشده الأسديون شعرًا لعبيد ولبشر يمدحانه, وأنشد القيسيون شعرًا للنابغة , فلما أنشدوه قالوا : إنا نستحي أن نسألك شيئًا , وإن لنا حاجة, قال : وما هي: قالوا صاحب لنا قد أرجل - أي ليس له ما يركبه فهو راجل- . فقال حاتم : خذوا فرسي هذا فاحملوا عليها صاحبكم , فأخذوها وربطت الجارية فلوها بثوبها , فأفلت, فاتبعته الجارية, فقال حاتم: ما تبعكم فهو لكم فذهبوا بالفرس والفلو والجارية. وهذه القصة تجمع بين أداب الوفادة المتمثل في الثناء على حاتم بشعر طيب , وفيها الملقى الحسن المتمثل في إنعام حاتم عليهم بأكثر مما طلبوه.
وكثيرة هي الأمثلة على الوفادة بعد دخول الإسلام ولنا في الوفود الكثيرة التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته لهم بالإسلام وقبولهم الدعوة خير شاهد على حسن الوفادة والملقى الحسن من النبي صلى الله عليه وسلم وهي أمثلة تتأبىعلى الحصر .
وكثيرة هي أمثلة الوفادة في عهد بني أمية مثلما روى الأصفهاني عن وفادة الفرزدق على سليمان بن عبدالملك ومدحه لسليمان ووصفه بصفات عظيمة في قصيدة عدت أجمل ما قيل في المدح زمن بني أميه , ووجد الفرزدق ملقى حسن نتيجة ذلك وهي أنه أخذ الشاعر الممدوح من بلاط قصره إلى علياء المجد والفخر . ويجب التنبيه على أن الوفادة كانت سبيلًا لأن يُعرف رجال الوفد وقدرتهم القيادية فيكلفونهم بمهام تشريفية. والمهم هنا الإشارة |إلى أن غالب- إن لم تكن كل- حالات الوفادة التي اطلعنا عليها للعرب قبل الإسلام وبعده لقيت ترحيبًا , كلما كان متحدث الوفد على درجة من الوعي وطيب الحديث وأدب الحوار .. وهو مصداق لقول سمو الأمير " حسن الوفادة والملقى الحسن "