زمزم ذاك البئر الذي بدأ بدعوة الخليل إبراهيم ونَبع بهمزة عقب جبريل وسقاية للمعتمرين والحجيج وشفاء لكل سقيم زمزم خير ماء في الأرض وفي أطهر بقاعها نبع اصطفاه الإله الكريم ليكون جاراً للبيت العتيق وزاد لكل قاصد له آية من آيات الله البينات ومعجزة تستحق الشكر أول خروجه نجدةٌ لهاجر وإسماعيل عليهما السلام بعدما أجهدهما العطش وزاد بكاء رضيعها فانفجر الماء ليُخمد روعهما، فهم في وادي لا زرع فيه ولا بشر ولما رأت خروجه أسرعت مقبلة إليه خائفة من نفاده فقامت بجمعه وتقول (زم زم ) أي تجمّع بلغتها السريانية ولو لم تجمعه لكان نهراً معينا فلم يخيب الله دعوة خليله حين قال (ربنا إني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) فكان زمزم أول ثمرة من ثمار دعوة إبراهيم فنعم المغيث والناجد والمؤنس فأحيا الله به مكة بعدما كانت قاحلة وأسكن فيها الناس بعدما كانت لا يسكنها أحد ,فأي ماء ينال شرفاً كما شُرِف فهو بحق سيد المياه كلها إنه الكثير نفعه المنعدم ضره المديد عمره الحلو طعمه المستساغ شربه قد جمع من الكمال كله ,ومن الشرف أعلاه ,ومن الطهر أنقاه فكأنه من الفردوس نبعه ومن الشهد طعمه ومن اللؤلؤ لمعه وشربه مُنى للأنام وغايتهم. لم ينضب منذ أكثر من 5000 آلاف عام فمنذ القدم يُعطي زائريه مائه السلسبيل الطهور والماء الوحيد الذي تهوي إليه النفوس وتشتاق لرشفات منه أطلق الناس عليه قديماً أحسن الأسماء لشرفه وعلو مكانته (كطيبة وشباعة وبرة وبركة وعافية) قال صلى الله عليه وسلم (إنها مباركة, إنها طعم طعم وشفاء سقم) فهو مباركٌ مُزكىً ولنا في عمره خير دليل وطعام يغني عن الطعام فعن أبي ذر رضي الله عنه أنه أقام بمكة شهراً لا قوت له إلا زمزم. وشفاء للأسقام فقد كان صلى الله عليه وسلم يحمله ويصبه على المرضى ويسقيهم, فهو ماء لما شُرب له .
تغنى به الشعراء وألف به العلماء وشُبه به العظماء، فمنه ارتشف أطهر الخلق وغُسل به قلبه أكثر من مرة فنعم الغسول والمغسول، رُبط به السؤدد، وتنافس الناس في شربه وقد قال العباس رضي الله عنه (تنافس الناس في زمن الجاهلية حتى كان أهل العيال يفدون بعيالهم فيشربون فيكون صبوحاً لهم شرب أول النهار وقد كنا نعدَها عوناً على العيال وكانت تسمى زمزم في الجاهلية (شباعة)، فهنيئاً لماء شرفه الله تعالى ليعتلي أعلى درجات الكمال فكما قيل عنه يقوي القلب ويسكَن الروع.
وقد عني بالبئر قديمًا وحديثًا من حيث البناء والترميم والصيانة من الخلفاء والأمراء فكان أول من شيد لها قبة الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور عام 145 هـ وعمل الرخام على زمزم وفرش أرضها، وفي عهد أبو عبد الله محمد المهدي سُقفت حجرة زمزم بالساج وكسا القبة بالفسيفساء واستمرت العناية بالبئر والحرص عليها.
يقع البئر المبارك على بعد 21 متراً شرقي الكعبة وعمقه 30 مترًا وتصب فيه عيون ثلاث: عين محاذاة الركن الأسود وعين بمحاذاة جبل ابي قبيس والصفا وعين بمحاذاة المروة، وتقع جميعها على عمق 13 متراً من فتحة البئر.
في بداية القرن الخامس عشر آلت أمور السقاية إلى المملكة العربية السعودية لتطور أساليب السقاية والتوزيع بالأجهزة الحديثة.
وقد أطلق مشروع عام 2010 م بلغت قيمته 700 مليون ريال لتعبئة وتنقية الماء وتخزينه يوميًا بطاقة استيعابية تبلغ 200 ألف عبوة، كما يتم نقل زمزم للمسجد النبوي بمعدل يصل إلى 250 طنًا يوميًا عن طريق صهاريج معقمة ومجهزة بأفضل المواصفات لحمايته من المؤثرات أو الملوثات.
سخرت وكالة الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي للزائرين أقصى سبل الراحة والعمل المستمر على توفير مياه زمزم من مكة إلى المدينة بمهنية عالية وعمل دقيق مستمر, لينعم زائر المسجد النبوي والمصلي فيه بالشرب من الماء المبارك على مدار اليوم.
وتتولى إدارة السقيا الإشراف المباشر على نقل زمزم من مكة إلى المسجد النبوي عبر ناقلات معدة ومهيأة لهذا الغرض تتسع الناقلة الواحدة لعشرين طنًا من الماء ويتم العمل على تنظيفها وتعقيمها بشكل مستمر من قبل مراقبي السقيا عبر نموذج وبرنامجًا خاصًا لغسيل الناقلات, وبعد الانتهاء من التغسيل والتعقيم وقبل إرسال الناقلة إلى مكة المكرمة يقوم المراقب الخاص بإغلاق الأقفال العلوية والسفلية وتسليم المفتاح لمدير إدارة السقيا ثم تعبئتها في مكة بدرجات عالية من الحرفية والدقة وبعد وصولها إلى المدينة يقوم المراقب بفتح القفل السفلي الخاص بالتفريغ وأخذ عينة وإرسالها إلى المختبر للتأكد من سلامة الماء ومن ثم يقوم فني المختبر بعمل فحص كيميائي وتقرير بيولوجي وإرساله لإدارة السقيا يومياً وحين التأكد من سلامة المياه يُسمح للناقلات بتفريغ المياه في الخزانات الرئيسية مرورًا بفلاتر قطنية على حسب سعة الخزان وبعدها يتم التنسيق مع إدارة التشغيل والصيانة لسحب مياه زمزم من الخزان الرئيس إلى خزانات فرعية من خلال مضخة ممتدة تحت الحرم النبوي.
حيث يقوم المختصون بتعقيمها وتبريدها وتحديد وقت محدد لا يتجاوز 120 دقيقة لتعبئة الحافظات وتجهيز الكوادر البشرية ومن ثم يبدأ العمل بنقل المياه إلى الحافظات من نقاط خاصة وتغلق جيداً وتوزع على جميع مرافق المسجد النبوي الشريف وقد خصصت إدارة السقيا مراقبين على مدار اليوم لمتابعة نظافة الخزانات والتأكد من شهادات العمال الصحية ومتابعة درجات برودة الماء والجو وأخذ عينات عشوائية من فني المختبر.
وتقوم أيضًا إدارة السقيا بتوفير عمال يقومون بشكل متواصل بمراقبة وتنظيف وصيانة الحافظات والتأكد تعبئتها بشكل مستمر داخل المسجد النبوي وساحاته.
من العمليات الميدانية يقوم المراقب الميداني بالتنسيق مع الجهات المزودة لتحديد عدد الحافظات المراد تأمينها ثم متابعة برنامج غسيل الحافظات والتأكد من نظافتها ومراقبة تأمين كاسات الشرب ومراقبة نوافير المياه وتنظيم الزوار لاستفادة أكبر عدد ممكن من الخدمة المقدمة ومتابعة تأمين وتبديل الحافظات في جميع أنحاء المسجد النبوي والتأكد من ارتداء العمالة القائمة على عملية الغسيل في المحطة وتغيير ليات التعبئة ونظافة العربات الناقلة للحافظات.
وخلاصة هذه الجهود المباركة تُوَزع يوميًا قرابة 16 ألف حافظة ثابتة على الأرض ويعاد تعبئتها ثلاث مرات وتغسيل وتعقيم وتجهيز 3000 حافظة وتوزيع المياه لأكثر من ثلاثمائة موقع في المسجد النبوي وتسخير الأدوات والمعدات لخدمات السقيا من مراكز التبريد والعربات المخصصة للنقل، وتوزيع عبوات زمزم مع تجهيز حقائبها ويبلغ عددها ثلاثمائة ألف عبوة زمزم يوميًا و 120حقيبة محمولة على الظهر و15 عربة متحركة ولكل عربة طاقة بحمل 900 عبوة و80 علبة للحقيبة الواحدة، وتجهيز عربات لذوي الاحتياجات الخاصة لتسهيل شرب زمزم لهم من الحافظات الثابتة.
وجميع هذه الجهود يعمل بها 350 فردًا و70 عربة لتوزيع حافظات زمزم و10 مقطورات لنقل الماء للساحات و7 عربات كهربائية لتوزيع الماء داخل أروقة المسجد النبوي.
جهودٌ تؤكد تأصيل العناية وشرف الخدمة على مدى قرون، من كرمٍ متوارث إلى حامليه وبقصة ابتدأت بنبع ماء وما زالت تُروى حتى تروي القلوب والنفوس بعذب السيرة والمسيرة .