حديقة العابرين ..
محمد السراري
ضجَيج الازدحَام .. وصوت النداءات ..
وِتمتمات الأطفال وضِحكَاتهم ..
ذلك المكَان الجمِيل الذي يقبَعُ غالبًا في زاويةِ المدِينة . محبُوبٌ من الكُل ، يأتِيه الجمَيع بكامِل أنَاقتِهُم .
لغُة الوجوه هِي اللغة الرسميّة لمُرتادي ذاك المكان ، وهناك بمجرّد النظر ترَى في تعابير الوجُوه قصصًا !
فمَا بين لهفة اللقاء ..
ودمُوع الوَداع انحصرت المَشاعر ..
مابِين سعَيدٍ وحزِين وحائر !
فيمُرّك الشاب الذي ودّع أرضه وأحبابه قاصدًا دراسته ، وما إن تتأمّل تلك المَلامح فتجِدُ القلق هُو السَائِدُ عليها .
فتترك عَيناهُ الأسئلة ..
أيُّ حَياةٍ سأواجهها أمامي ؟
أيُّ أيّامٍ ستمُر دُون أمّي وأبِي ؟
والحُزن يلثُم قلقه لُمفارقةِ أرضًا اعتادَ على العَيش فيهَا طِيلة سنِينه.
يقطُع مجَال نظرك شخصٌ آخر ، شُعاع ابتسَامته يكَاد يضُيء المكاَن !
فتبدأ حِينها بالتفكِير ..
وكأنّها مسألةٌ رياضيّة ، معطَياتها ابتسامةٌ ونبرةُ صَوت .
يأتي استنتاجاتك ويجِيب :
قد يكُون ذاهِب لوظِيفته التي كان يحُلم بها مُنذ الصِغر !
أو أنّه عائدٌ لرُؤية والدِيه بعد طُول غيَاب .
كُل الإجَابات بطوابعٍ سعَيدة ، كمَا كانت المُعطَيات .
وهنَاك على الركن بكُاء طفلٍ لم يعتد رُؤية الزحَام !
فمُنذ وُلد لم تُبصر عينَاه وتألف غِير والدِيه .
العدِيد مِن القصص ترَاها في الوجُوه ، تشعُر وكأن هذه البقعة من الأرض وُجدَت للتأمّل !
تعُود إلى قصتّك ، فتستقبِلكُ رائحِة البُن التِي تنبعث من الكوب الذي تحمله بين يدَيك وتكَادُ تصل إلى أبعد نُقطة في رأسك من شدّة جمَالها ..
عجلَات حقِيبتك التي تمشي خلفك وكأنها طفلٌ صغِير مُتشبث بـ أصابع أبِيه ..
وتنظُر للمرآه فتجُد انعكَاس قصّتك على مَلامحك كما رأَيتها في وجُوه المارّه .
فِعلًا هِي حدَيقة العابرِين ..
وفِي خِضم تأمّلك يأتِي إعلَان نهَايةِ المَشهد :
الندَاءُ الأخِير للرحلةِ المتجهة نحُو "الوطن".