يحرم ديننا الحنيف الكذب بكافة اشكاله كما أنه قد حذر من عواقبه الوخيمة التى تعود على الإنسان فيما بعد ويبدو ذلك واضحًا في قوله تعالى "إن الله لايهدي من هو مسرف كذاب"
هناك العديد من الدوافع التي يقترن بها الكذب عند الأشخاص بشكل عام ، فمنهم من يكذب لجني المكاسب والآخر ليحافظ على مكانته الاجتماعية ، والبعض يكذب ليتباهى بنفسه ، والأشد غرابة من ذلك كله أن يكذب المرء ليشعر بالنصر !
هولاء الأشخاص حمقى فهم يجعلون من تلك الدوافع السخيفه مبررًا فعالًا يعطيهم الحق المطلق بممارسة تلك الصفة الذميمة ولكن اتعلمون من يقع ضحية لتلك المبررات ؟ إنهم الأطفال ، نعم الأطفال أعني ذلك جيدًا !
فالكذب سلوك مكتسب يكتسبه الأطفال من بيئاتهم المختلفة سواء أكانت بيئة مدرسية او أسريه او اجتماعية ولكني أرى أن تأثير البيئة الأسرية على الطفل في اكتساب هذا السلوك السيء قوي نعم قوي إلى حدٍ كبير ! والسبب يكمن في أن المنزل هو البيئة والملجأ الذي يقضي الطفل سنوات عمره الأولى بداخله فيولد الطفل صفحه بيضاء قابلة لكل ما ينقش عليها وعندما يبدأ الطفل بإدراك المحيطين به فيما بعد يكتسب منهم تلك السلوكيات القذرة التى يرتكبها الكبار ويقع ضحية لها هؤلاء الأبرياء الصغار ! ومع ذلك لا أعني أن الأطفال يفترض أن لايكذبون إطلاقًا ، فمن الطبيعي أن يكذب الأطفال في "مرحلة الطفولة " عُد يا عزيزي وأقرأ الكلمة الموجودة بين قوسين بتمعن أكثر ، إن للكذب عند الأطفال فتره عمرية معينه يستوطنها وبعد ذلك يبدأ هذا السلوك بالتلاشي تمتد تلك الفترة العمرية التى يمارس فيها الأطفال الكذب من سن الرابعة وحتى سن المراهقة تقريبًا ، ولكن أتدري ما المؤسف يا عزيزي القارئ ؟ أن يمتد هذا السلوك إلى ما بعد ذلك بكثير !
عندما يمتد سلوك الكذب لدى الطفل إلى مراحل تلي مرحلة المراهقة ، فإن مسؤولية معالجة الكذب تقع بالدرجة الأولى على عاتق الأسرة أولاً ، وحتى نتمكن من بناء إنسان صالح يتعين علينا أن نعمل على معالجة الطفل وبذل قصارى جهودنا ليتلاشى هذا السلوك السيء لديه.
إن إهمالنا لمعالجة امتداد هذا السلوك السيء لدى أطفالنا ، يعني تمامًا عملنا على بناء شخصية تتصف بالمراوغة في جميع أقوالها ، شخصية تجيد المكر ، شخصية ماهرة في تزوير الحقائق ، هذه الشخصية يا عزيزي تجرٌ الويلات ، نعم هذه الشخصية تلحق بالأسرة والمجتمع خسائر فادحة وهائلة!
اعتقد أن الكذب لا يختلف كثيرًا عن السرقة ، فهما في نهاية المطاف سلوكيات سيئة ولكنها تعتبر بريئة من أطفالنا ، الحق أنهم لم يدكوا الكذب أو السرقه وغيرها العديد من السلوكيات ولم يتعلموها إلا من خلال واقعهم ومجتمعهم وبالأخص أسرهم ، وإذا ما أُهملت المعالجة المبكرة لهذه الواقعة البريئة فإننا بذلك نكون قد سرِنا على طريق بناء رجل مزور للحقائق ومخادع والأعظم من ذلك أن تبنى بإهمالنا ذاك لص محترف !
قد يدور في ذهنك الآن عزيزي القارئ هذا السؤال "ما الذي ينبغي علي فعله لكي اجعل من طفلي إنسان صادق في أقواله وأفعاله ؟!"
حسنًا ، أقرأ جيدًا يا صديقي فسأقدم لك إجابة وافية لتساؤلك
يتعين علينا كأباء أن نبتعد كل البعد عن استحسان الكذب لدى أطفالنا وأن نسلك معهم طريق الحكمة والموعظة الحسنة فنحن بذلك نقترب من صغارنا ، فكلما اقتربنا من أطفالنا سنلحظ أنهم يعتادون على الصدق في أقوالهم ، من الحكمة أن لا نعاقب الطفل إذا صدق في قوله ، فعلى سبيل المثال عندما يكسر طفلك تحفة ثمينة بالنسبة لك ويخبرك بأنه فعل ذلك لا تعاقبه أرجوك ! أرجوك حاول أن تتفهمه وتحتويه وترشده وتوجهه فقد اتى طفلك إليك صادقًا فأحسن استقباله ! فعندما تفعل العكس فإنك ستجعل من طفلك طفل يجيد فنون الكذب ويحيك لك قصة أولها كذب وأخرها كذب خوفًا من عقابك !
سأخبرك أمرًا على درجة كبيرة من الأهمية ، عندما يصبح العقاب مهما اختلف نوعه جسديًا كان أو معنويًا أداة نستخدمها أبدًا مع أطفالنا فإن هذا العقاب قد يفضي بطفلنا إلى ما هو أبعد من الكذب ، وحتى نتفادى ذلك علينا أن نواجه كذب أطفالنا بالأساليب والإرشادات التى تحول بين الطفل وبين استحسانه للكذب .
وختامًا يمكنني القول بأن العقاب يعزز فعليًا سلوك الكذب لدى الطفل ، في حين أن العفو يعزز قول الصدق .