سجلت أسرة آل راجح من قبيلة بني واهب شهران أروع صور الإنسانية والكرم والشهامة والتسامح والعفو والمواقف النبيلة التي تحثنا عليهاشريعتنا السمحاء عندما بادرت بالتنازل والعفو عن قاتل ابنها «عبد الله» لوجه الله دون قيد أو شرط.
وقال شقيق المقتول محمد زامل الواهبي بحسب مانشرته صحيفة «عكاظ» أن الأسرة اجتمعت مساء يوم أمس (الخميس) واتخذت قرارابالعفو عن القاتل، وهو جارهم، دون مقابل، بعد صدور الحكم من المحكمة.
وأشار الواهبي إلى أن والدته وأشقاءه أجروا اتصالا هاتفيا بوالدة القاتل هنؤوها فيه بعيد الفطر المبارك وزفوا لها خبر العفو عن ابنها،مضيفا أن الأسرة عفت عن القاتل طلبا للأجر والمثوبة من الله العلي القدير. ووجدت هذه البادرة الطيبة صدى واسعا لدى أفراد المجتمع وفيمقدمتهم ذوو المعفو عنه.
من جهة أخرى، قال شقيق المعفو عنه رجا زامل شاهر: «فرحتنا لا توصف ونحن نتلقى خبر العفو عن شقيقنا، وندعو لأسرة آل راجح بأنيجزيهم الله عنا خير الجزاء وأن يجعل ما قدموه في ميزان حسناتهم». وأضاف أن هذا العمل النبيل وهو إعتاق رقبة شقيقه والعفو عنه لوجهالله تعالى دون غاية تذكر هو عمل جليل يسجل بأحرف من ذهب، «ونحمد الله حمد الشاكرين بأن منّ الله علينا بجيرة هذه الأسرة الكريمة.
الحقيقة أن ما حصل بيننا وبين شيوخ الجيرة وشيوخ العفو آل راجح، والمصيبة التي حلت علينا جميعا، هي ابتلاء وامتحان من الله عز وجل. فقد أعزهم الله بالدين وبالأصل الكريم، وحسن الجوار، وهي التي أعانتهم على هذا العفو الذي أثلج صدورنا وصدور من يخاف الله ويحبالخير. والعلاقة بيننا لم تنقطع ولم تهتز في ظل هذه الأزمة، فقد كانوا خير معين لنا عليها، فهم الذين عندما علموا بأننا أقفلنا أبواب منازلناوعقدنا العزم على الرحيل، أتوا معزين ومواسين لنا ولوالدتنا، وطلبوا فتح الأبواب وعدم الرحيل من منازلنا والصلاة معهم جماعة في المسجد».
وأضاف أن والدته طلبت منهم السماح لها بالانتقال بالقرب من أبيها فسمحوا لها بقلوب تتفطر حزنا على فراقها، وهي كذلك. وكشف شاهرأنه «عندما بدأت مساعي الصلح طُلب من والدتي الذهاب والتشفع لابنها عند والدة القتيل، فرفضت والدتي وقالت: القتيل ابني وأمه أختيوالقاتل ابني فلن أتشفع لابني فوق الأرض وابني الآخر تحت الأرض. وفي مساء يوم أمس اتصلت هذه الأسرة الطيبة بوالدتي وجعلوا عيدهاعيدين، وبشروها بالعفو عن ابنها لوجه الله تعالى».
ونشرت «عكاظ» بتاريخ 18 فبراير من العام الحالي خبرا بعنوان «ماذا قال الواهبي عن موقف والدته عندما رأت قاتل ابنها في منزلها؟»،وكشف نجلها محمد الواهبي قصة استقبال والدته خبر مقتل ابنها عبدالله على يد جاره لخلاف وقع بينهما، وقال: «في يوم الجمعة 16/ 4 /1441هـ حضر جارنا قبل وقت أذان المغرب إلى بيت الوالدة في مركز خيبر الجنوب بمنطقة عسير، برفقته والدته وزوجته وأولاده، وكان خائفاويحمل سلاحا في يده، وطلب منها أن تحميه من أناس يريدون الثأر منه، فاستقبلته ولم تبدأ بسؤاله عن حكايته حتى بدأ قائلا: نزغنيالشيطان وقتلت ابنك عبدالله، وهذا سلاحي افعلي بي ما شئتِ وأنا في وجهك».
وأضاف الواهبي أن والدته استجمعت قواها وسألت الله تعالى الصبر، وكظمت غيظها واستقبلت الصدمة الأولى بصبر، وهي بين فلذة كبدمقتول، وجار في «بيتها» قاتل، وسلاح بين يديها ثائر، وأبناء يطلبون غريمهم. وقالت لقاتل ابنها: «أنت واقف أمامي الآن، لا حول ولا قوة إلابالله.. إنا لله وإنا إليه راجعون، ورددتها على لسانها مرارا».
وتركت والدته قاتل ابنها في بيتها وخرجت مستقبلة أبناءها طالبي الثأر من غريمهم، وقالت: «هو في وجهي. سلمت أمري لله، ثم لدولة تحكمشرعه وتقيم عدله»، لتتجلى صورة من صور البر والإحسان.
وأضاف الواهبي: «أذعنا لطلب والدتنا وكظمنا عظمة غيظنا نزولاً عند رغبتها وطلباً للبر بها، حيث تسلمت الجهات المختصة جارنا القاتل وتمتقديمه إلى العدالة».
وأضاف الواهبي: «جيراننا الذين زارونا لم يرضوا بما حصل لأخينا المقتول، وعندما علمنا برغبتهم في الارتحال من المكان زرناهم ودخلنابيتهم وأخبرناهم أن جيرة السنين لن تزيلها نزغة شيطان. وقلنا لهم أنتم أهلنا فقدنا فقدكم وألمنا ألمكم، مسجدنا واحد وقبلتنا واحدة ونحنكلنا تحت مظلة دولة الأمن والعدل. نحن وأنتم في انتظار الحكم من القضاء». واختتم الواهبي حديثه بأن قصة والدته عرضت في ندوة اللقاءالتنفيذي الأول لمبادرة إرساء السلم المجتمعي، الذي نظمته إمارة منطقة عسير.
يذكر أن أمير منطقة عسير الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز زار منزل المواطنة نورة الواهبي في مركز خيبر الجنوب بمنطقة عسير في وقتسابق وروى أحد أبنائها القصة له.