رحيل عبود بن ناصر بن سلطان
النخلة تموت بعد قرن من العطاء!
رجال بيشة يشبهون نخيلها تماماً، غرسٌ طيبٌ مبارك، يثمر ثمراً يانعاً منذ النشأة الأولى وكل ما مر عليه عامٌ زاد ارتفاعاً وشموخاً وطاب ثمراً .
النخلة في بيشة تشمخّر الى السماء علواً وسمواً عاماً بعد عام وهي تثمر وتعطي بلا منّة ولا كلل ولا ملل.
كلُّ المخلوقات يقلُّ عطاؤها اذا تقدمت في العمر الاّ النخلة، فإنها تعطي حتى تموت وبقدر ما تتوغل جذورها في باطن الأرض يصعد قلبها ورأسها الى السماء وكأنها استولت على باطن الأرض وعمقها وفضاء السماء ورحابتها في آن .
تغوص عروقها في الأرض تتبعاً للماء وهي تدرك بأمر الله أنه سرُّ حياتها وبقائها. وتنطلق الى السماء بأمر الله وهي تدرك ماكرمها الله به من مكارم العطاء.
تلك هي النخلة.
ورجال بيشة يشبهون نخيلها: يولدون في بيئة حاضنة للمرؤات والمكارم والأخلاق الأصيلة ويشبّون فيها عن الطوق بآمال لاحدود لها، يحفرون في الصخر طلباً للحياة الكريمة العفيفة ويمتدون في الآفاق عطاءً وبذلاً تدفعهم المكارم وتؤطر سلوكهم الفضيلة .
أولئك هم رجال بيشة الذين عرفتُ وعاشرتُ وعاصرتُ ، ولا حكم على الشواذ عن القاعدة بطبيعة الحال ، ولا أدعي إطلاقاً انها صفة ينفردون بها ففي كل بلد من الأخيار ما يشرفه.
هذه فاتحة للتطرق الى رجال بيشة الذين يشبهون نخيلها السامقات في عطائها ويشبهون أرضها في سخائها وجبالها في شممها وسموها.
بالأمس فقدت بيشة رجلاً فريداً أرتبط أسمه بأسمها وصفاته بصفاتها ومناقبه بمناقبها.
الرجل الفطن الحكيم الذي أحسن القبض على عصا الحكمة من منتصفها وتوازن في قوله وفعله ومواقفه .
رجلٌ كانت كلمته فاصلة، ورأيه سديد، وموقفه حازم، ومشورته أمينة مصلحة.
نديُّ اليمين، خفيّ الصدقة، رحيم القلب، رطب اللسان، بشوش الوجه.
أحبّه الشيخ الكهل والرجل المكتمل والطفل الحدث. وإلتفّ حوله الأهل والأقارب والجيران والمعارف.
أمدّ الله في عمره حتى جاوز الخمسة والتسعين عاماً وقد حفظ الله له عقله وفكره وبيانه حتى لفظ أنفاسه وأعتلت روحه الطاهرة الى خالقها،
وكأن الله أراد أن يكرمه بحسن الخاتمة وطيب الذكر، وأراد أن يمتعه بعمر النخلة وعطائها المستمر حتى تموت.
كان الرجل جبلاً راسخاً شامخاً يشبه جبل بيشة الأبيض ( الصائرة ) العلم المطلّ على بيشة مع مشرق الشمس من ألآف السنين رمزاً للنقاء والصفاء والوضوح، وعلامة يهتدي بها القاصدون والعابرون والتائهون.
نعم ، ذلك الرجل الرمز الذي قضى نحبه أمس الأحد ١٣ شعبان ١٤٤٤هـ ٥ مارس ٢٠٢٣م. الوالد الوقور والفقيد / عبود بن ناصر بن سلطان العميري السلولي. والذي فقدت بيشة بفقده ركناً شديداً من أركانها ووجهاً وجيهاً من رجالها ومصلحاً خيّراًمن أخيارها الصالحين.
رحمك الله أبا ناصر، رحمة واسعة، وجعل ما أصابك من أمراض كفارة وطهوراً وما بذلت يمينك الطاهرة من خفيّ الصدقة شفيعاً لك يوم تلقى ربّك، وبارك الله في ذريتك الى يوم البعث.
أصدق التعازي والمواساة لأسرة الفقيد وللعمارين ولبني سلول عموماً ولأهالي بيشة كافة.
إنا لله وإنا اليه راجعون.
صالح بن عامر آل خشيل
بيشة - ١٤ شعبان ١٤٤٤هـ