بعد ما يقارب ثلاثة عقود في الوظيفة أستطيع القول أن وجود موظفين متميزين في الفريق سيؤدي في النهاية إلى نجاحه حتى و إن قلت مهارات القائد , و العكس يأتي بالنجاح أيضا، إذا صار القائد داهيةً ماهرا ساحرا لقلوب زملائه و إن كان فيهم (عِلة كبود )!
و القادة أنواعٌ مثل ما أن الموظفين كذلك ,فكلٌ في بيئة عمل مختلفة يؤدي واجباته و يحصد نتائجها حسب خبراته و عمره الوظيفي و شخصيته و ثقافته ,و ربما حسب دهائه و تخطيطه و مكره !
و أفضل القادة النادرين القائد الأسد ,شجاعٌ مقدام وقور مثقف واعي ,صاحب خبرة و سمات شخصية مختلفة , يستحق لقب ملك الغابة من امتلاكه لمفاتيح النجاح و قلوب زملائه ,مبارك موفق ذكي ألمعي هين لين , لكن حزمه ظاهر وقلبه طاهر, يركز على النتائج و يتغافل عن الأخطاء العابرة , لا يكثر السؤال و القيل والقال , و لا يبخل بمحبته ودعمه و تشجيعه للجميع!
و في القادة قائدٌ نبيه ذكي خطير محترف نستطيع أن نسميه القائد الذئب يصل إلى مبتغاه مهما كان , يستخدم من أجل الوصول إلى هدفه كل الوسائل ,له نظر حاد فلا يخفى عليه سقطة إبرة ,وله فراسة فلا يخدعه نكرة !
اجتماعي لا تفارق الابتسامة وجهة,دهاؤه حاضر ومكره سريع و كلامه معسول يختار بعناية الأقربين ,و يدخل المخالفين المعارضين من كم و يخرجهم من كم ثوبه الآخر !
أما القائد العنكبوت فإدارته هادئة ونجاحه وقتي ,رغم مهاراته و طريقة تصيده للفرص ,و سعيه لتحقيق الأهداف و حسن صنيعه لمن حوله و جمال هندسته و بنائه لخططه إذ أنه سرعان ما يفشل عندما تتوالى المشكلات وتهب الريح في فصل الخريف, فتقتلع كل ما هندس وكدس !عائدا لنقطة الصفر لا يستطيع أن يكافح هبوبا و لا موجا ,و ربما واجه أقوى منه فابتلعه !
والقائد مهما حصل عليه من امتيازات إنسانٌ مبتلى في هذه الحياة ,يطلبه من فوقه من رؤسائه ,و يتعبه من تحته من مرؤسيه غير ما يجد من المجتمع من نقد ومطالبات ,و من زملائه من حل لمشكلات ,و إدارة لنماذج مختلفة من الشخصيات !لكن الناجح يستمتع بالعمل مع فريقه على حل كل مشكلة و تجاوز كل عقبة !
وعادة لا يصل لموقع القيادة إلا من لديه من الصفات و المهارات و الالتزام الوظيفي و الفهم الإداري ما يغنيك عن متابعة سلوكه الوظيفي، و يصبح مدار تقييمه على النتائج و طريقة سير المنظمة التي يديرها !أما الموظفون ففيهم كثير ممن تنقصه الخبرة و المهارة ,و ربما النشاط و سرعة الإنجاز, و موظف واحد صالح يداوم على مكتبه خير من عشرة على شجرة المنظمة يزعجك صريرها، وزمزمتها، وشقشقتها !
و أفضل أعضاء الفريق الموظف (النحلة) يجيد الاندماج مع زملائه نافع لنفسه ولغيره لا تجني منه إلا العسل ناقلا لرحيق أعماله نشاطا و تعاملا ,بعيدٌ عن كل خبيث ,منظمٌ محترف منجز مثالي !
وعادة لا تخلو فرق العمل من متميزين نادرين غير الموظف النحلة و في كلٍ خير , فهناك نموذج فريد يسرك إذا لقيته و يكفيك إذا غبت ,محترم من الجميع مقدر من المرؤسين و الرؤساء , ينشر السلام و يصلح ما انهدم بين الزملاء , رأيه سديد و عزمه شديد يقوم بما صعب من المهام ،علاقاته بالجميع لطيفة, يجيد فن التعامل مع الآخرين ,لا يستفزه (مرجوج) و لا يوهن عزمه (معووج) ,حمامة سلام و إن كان في مظهره فهدٌ و في تحليقه صقر !
ولابد أن مقرات العمل فيها غير الحمائم و صناع العسل ما يكدر القائد و يرفع ضغطه و سكره منهم الموظف النملي الذي يندمج مع الفريق في عمل منظم و مثابرة و تدبير لكن مهاراته لا تتعدى المهام الخفيفة ,يصيح من الثقال و لا يستطيعها , لا يعرف إلا طريقا واحدا ,إن جاء الشتاء وحزة الضيق بردت همته !مزاجي لا يعمل و ينشط إلا بعد تسخين و تحمية و تشجيع ,و ربما استعنت بزملائه لدفعه! لكنه أرحم بالتأكيد من الموظف الثوري الذي يحسن صنع الثورات أكثر من الإنجاز! قوة طّائشة و مهارات ضائعة يؤذي أكثر مما ينفع لا طب فيه !
و في الموظفين الهدهد لا يضر ولاينفع , مسالم متفائل دوره تسلية الفريق و نقل الأخبار , وربما جاء بالخبر الهام و أوصلك إلى العروش ! نيته طيبه و سلوكه جميل لكن البركة من الله !
أما الموظف الزئبقي فهو شبيه الثعلب تهمه مصلحته و حاجته ,إن عمل فلهدف وحاجة في نفسه، يحصل على ما يريد من زملائه و رؤسائه بمعسول الكلام و المكر والخداع لا يمكن أن يتعب نفسه ,و لا تصيده (الشوزن ) لذا قيل (أروغ من ثعلب) !
و فائدته قريبة من فائدة الموظف الديكي يكون أول الواصلين و آخر المغادرين غير أنك لا تستطيع الاعتماد عليه و إن حصل ذات مرة و أفادك فهي ( بيضة دّيك) !
والنماذج الإيجابية من القادة و الموظفين موجودة في كل منظمة كما هي النماذج السلبية على اختلاف درجاتها ,غير أن كثير من النماذج المتعبة رغم قدرتها غالبا على تعديل أدائها تعشق سلبيتها، كثيرة التمرد و الغياب والفلسفة ! إن حضروا أثّروا سلبا في زملائهم الآخرين, شكواهم دائمة وتذمرهم مستمر، مهما حاولت معالجة أخطائهم وتقصيرهم فإنك تضيّع الوقت دون فائدة .
و كما قال قائد مشهور وقع في شر أعماله و سياساته واصفا تجربته مع مثل هولاء الذين لا أمل في استصلاحهم : (علّمنا علّمنا.. فهّمنا فهّمنا.. مافيه فائدة )!
إبراهيم عواض الشمراني