اللحظة الآنية
يحدث أن تجد نفسك في المنطقة الخالية أخيرًا. تلك المنطقة الصامتة هي ذاتها التي كنت تصارع من أجل الوصول إليها ، حيث تقف مبتسمًا لا مباليًا لتلك المعارك التي قد استنزفت من قواك كثيرًا. كأن تجلس مسترخيا على كرسي وانت تستمع الى أغنيتك المفضلة وتعيد سمعاها مرارا وكرارا دون كلل او ملل، او كأن تجلس بزاوية ذلك المقهى الصغير العتيق الذي يعج برائحة القهوة وأنت وترتشف قهوتك متأملًا الطريق . أو كأن تسير في زقاق المدينة والسماء تمطر بغزارة ولكن رغم ذلك تسير لا مباليا مصرا على ان تستمتع باللحظة ، . ذلك الإصرار هو ما جلبك هنا حيث تنتصر الفكرة وينتصر الوعي على مراوغات الشعور. بعد أن احتدم الصراع ووصل لذروته تجد أن مركبك قد وصل بسلام لبر الأمان. السلام؟! هو النقطة التي كنت قد غفلت عن وضعها في نهاية السطر فبقيت منغمسا في البحث عن معنًا للحياة. "محاولات بلا جدوى لإيجاد الجوهر والمعنى المفقود في كل شيء" جملة كنت قد كتبتها معربة عن شعوري تجاه الحياة ، لكني في تلك اللحظة لم أكن أعلم بأننا نحن من يمنح الحياة معناها، بل نحن من نعطيها قيمتها ونضيف لها. لقد نزعت تلك النظارة الرمادية واصررت على أن لا انظر للاشياء بطريقة اعتيادية، بل سأمر بها واشعر بروح الحياة تنبض في تفاصيلها. تلك الأشياء الصامتة تحمل تاريخ بأكمله بين طياتها، فكيف لنا أن نغفل عنها فنمر مرور الكرام بها. حتى ذلك الكرسي الخشبي المنسي في سرداب قديم يحكي لنا قصة كفاح شجرة قد كانت بذرة يومًا. عندما نعود لأصول الأشياء ندرك أنها تاريخ بأكمله وعندها نصل لانسجام تام مع الحياة. ما أود قوله هو
أن الاعتياد قتل متعة تأمل جمالية الأشياء من حولنا وجعلنا نعيش في سباق مع الزمن وصراع مع أفكارنا حول ماهية الحياة وجوهر الوجود. من هنا أدعو إلى رحلة تأملية ، نعود فيها إلى الاتصال مع الأشياء من حولنا ونسترجع الدهشة . الدهشة التي كانت تغمرنا عندما كنا صغارًا ونحن نستكشف الأشياء لأول مرة ونتعرف عليها.
ريم فيصل السعدي